بدائل الكسب المشروع عند الصوفية
يقول المصنف رحمه الله: [ولهذا تجد كثيراً ممن يرى الاكتساب ينافي التوكل يرزقون على يد من يعطيهم؛ إما صدقة أو هدية، وقد يكون ذلك من مكّاس أو والي شرطة أو نحو ذلك]، فهذا الذي يقول من الصوفية : أنا أترفع عن الكسب، وأخشى أن يكون حراماً، أو أنا أتوكل على الله، ويجلس في المسجد يتمتم ويهمهم بالمسبحة، فإذا جاء من يتصدق عليه أخذ منه، لأنه لا يمكن أن يعيش إلا بالصدقة، فنقول:
أولاً: اليد العليا أفضل من اليد السفلى؛ فالمعطي خير من الآخذ الذي جعل نفسه في المنزلة الدنيا.
ثانياً: هذا آثم لأنه ترك الأسباب التي أمر الله بها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد بين ذلك في عهد الصحابة فقال: {لأن يحمل أحدكم فأساً ويحتطب خير له من أن يسأل الناس؛ أعطوه أو منعوه} فهذا آثم؛ وقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى له عمن يقول: إن المكاسب أصبحت حراماً، حتى لو أنك وردت إلى نهر دجلة لتشرب، لا تضمن أنه حلال؛ لأنه يلقى فيه أشياء من الحرام.
سبحان الله! هل يضيق الله علينا إلى هذا الحد؟! فلنفترض أن الأمر كذلك، فمن أين تكتسبون؟! من صدقات المسجد! من المتصدق؟! إن المتصدقين قد يكون منهم من هو مكّاس، وهو الذي يجعل على الطريق حاجزاً، فلا يجاوزه أحد حتى يدفع الضريبة، وصاحب المكس أعظم ذنباً من الزاني، بدليل حديث الغامدية؛ حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لوسعته} فصاحب المكس أعظم ذنباً وأشد جرماً من الزاني عياذاً بالله تعالى، فهو يأخذ العشور والضرائب، ثم قد يتصدق منها كما يفعل بعض الناس في كل زمان ومكان، يأكل الربا ويأخذ المكوس، ويبني مسجداً أو يطعم هؤلاء الصوفية ويقولون له: جزاك الله خيراً! ويقبلون يديه، ويكونون من حاشيته.
قال: "أو والي شرطة" وقد يكون المتصدق والي شرطة، وهذا الاسم ارتبط منذ القدم بالظلم، وليس ذلك خاصاً بالشرطة، لأنه قد يكون من ولاة الشرط من هو عادل، والظلم قد يكون في غيرهم ولكن جاء ذكرهم كمثال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث: {صنفان من أمتي لم أرهما؛ نساء كاسيات عاريات، وقوم بأيديهم سياط كأذناب البقر} قيل: هم الشرط؛ لأن الشرط في العادة محل ظلم إذا كان الوالي ظالماً، بخلاف إذا ما كان الوالي عادلاً، فإنهم يكونون عادلين.
فالمقصود: أن الإنسان قد يأخذ من مرابٍ أو آكل حرام أو ظالم، ويظن أنه متوكل ولم يتعرض للكسب الحرام، ولو أنه عمل وأكل من كسب يده لكان ذلك خيراً له، وهو أفضل الكسب كما كان نبي الله داود عليه السلام يأكل من عمل يده، وكما أمر الله تعالى هذه الأمة أن يكتسب الإنسان منهم، ويأكل من عمل يده، ولا يعتمد على غيره.